
كشفت تقارير صحفية أن قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، المقررة هذا العام في كوريا الجنوبية، قد تمثل أفضل فرصة لعقد لقاء مباشر بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، في ظل تصاعد مؤشرات التحسن التدريجي في العلاقات بين بكين وواشنطن.
وذكرت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست أن ترامب قد يقوم بزيارة إلى الصين قبل انعقاد القمة المقررة بين 30 أكتوبر و1 نوفمبر في مدينة جيونججو الكورية الجنوبية، أو أن اللقاء المرتقب قد يُعقد على هامش القمة ذاتها.
وفي حين أفادت وسائل إعلام كورية جنوبية بأن الرئيس الصيني يعتزم حضور القمة، فإن مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تزال قيد التقييم من الجانب الأمريكي، ولم يتم تأكيدها بشكل رسمي بعد.
دعوات متبادلة وخطوات تمهيدية
وفي خطوة وُصفت بأنها تمهيد للقاء محتمل بين الزعيمين، التقى وزير الخارجية الصيني وانج يي نظيره الأمريكي ماركو روبيو للمرة الأولى في وقت سابق من هذا الشهر، وهو اللقاء الذي فتح باب الحديث عن لقاء رفيع المستوى بين القادة.
كما تلقى الرئيس الأمريكي دعوة رسمية من نظيره الصيني شي جين بينغ لزيارة بكين خلال مكالمة هاتفية جرت بين الطرفين، وهي الدعوة التي قابلها ترامب بدعوة مماثلة للرئيس الصيني لزيارة الولايات المتحدة.
وعقب اللقاء بين وزيري الخارجية، صرّح ماركو روبيو للصحفيين قائلاً إن “هناك رغبة قوية من الجانبين” لعقد اجتماع مباشر بين الزعيمين، في محاولة لدفع العلاقات الثنائية نحو مسار أكثر استقرارًا.
علاقات متقلبة منذ عودة ترامب
ومنذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، خاصة في أعقاب تهديده بفرض رسوم جمركية تصل إلى 145% على المنتجات الصينية، ما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والدبلوماسية.
إلا أن العلاقات بين الجانبين شهدت منذ ذلك الحين محاولات متبادلة لاحتواء التوتر، وأسفرت الجهود عن اتفاق مبدئي يتضمن تخفيف القيود المفروضة على صادرات الصين من المعادن النادرة، مقابل تخفيف الحواجز التي تفرضها بكين على دخول التكنولوجيا الأمريكية.
ويرى محللون أن اللقاء قد يتم إما قبل انطلاق القمة أو على هامشها، مع احتمالية أن يقوم ترامب بزيارة مدينة صينية مثل شنجهاي بدلاً من العاصمة بكين.
ويقول البروفيسور دياو دامينج، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “رينمين” في بكين، إن “أي شكل من أشكال التفاعل بين الزعيمين – في ظل ظروف مواتية وأجواء إيجابية – من شأنه أن يسهم في تحقيق قدر من الاستقرار والتقدم في العلاقات الثنائية”.
اللقاء كفرصة سياسية واقتصادية
وفي السياق ذاته، ترى بوني جليزر، مديرة صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة، أن اللقاء المباشر بين الزعيمين سيكون له تأثير ملموس على استقرار العلاقة بين البلدين، مشيرة إلى أن “مثل هذا اللقاء سيمنح شي فرصة للضغط على ترامب لتخفيف القيود المفروضة على التكنولوجيا الصينية، بالإضافة إلى تأكيد موقف واشنطن بشأن تايوان، وربما السعي للحصول على دعم أمريكي لإعادة التوحيد السلمي”.
وتُعد قضية تايوان من أبرز الملفات العالقة في العلاقات الأمريكية الصينية؛ إذ تعتبر بكين الجزيرة جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، بينما ترفض الولايات المتحدة أي محاولة لضمها بالقوة، وتواصل تزويد تايبيه بالأسلحة والأنظمة الدفاعية.
فرصة لاختراقات في الملفات المعقدة
من جانبه، قال صن تشينجهاو، الباحث في مركز الأمن والاستراتيجية الدولية بجامعة تسينجهوا، إن لقاء مباشر بين الرئيسين قد يفتح الباب أمام تقدم حقيقي في ملفات عالقة، من أبرزها ملف الرسوم الجمركية، ومكافحة تهريب مادة الفنتانيل.
وأوضح: “إذا أُتيح للقادة توضيح بعض النقاط الحساسة خلال قمة مباشرة، فقد نشهد اختراقات سريعة في ملفات محددة”.
ملف تايوان يهدد ترتيبات القمة
لكن رغم هذه الأجواء الإيجابية، لا تزال احتمالية عقد اللقاء مرهونة بموقف الولايات المتحدة تجاه تايوان. فقد أثار إعلان رئيس تايوان، ويليام لاي تشينج تي، نيته المرور عبر الولايات المتحدة خلال جولة تشمل عددًا من حلفاء بلاده في أمريكا اللاتينية، استياءً كبيرًا لدى بكين، التي تعتبر مثل هذه الخطوات استفزازًا لسيادتها.
وقال شين تشيانج، نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان في شنغهاي، إن “أي تصعيد أو استقبال رسمي لويليام لاي خلال عبوره الأراضي الأمريكية قد يقوّض أجواء الثقة التي بُنيت بين الجانبين خلال الشهور الماضية”.
الصين تمسك بخيوط التوقيت
أما جيريمي تشان، كبير المحللين في مجموعة “يوراسيا”، فأكد أن بكين هي الطرف الذي يملك زمام المبادرة في ما يتعلق بعقد القمة. وقال: “لو كان القرار بيد ترامب، لكان بالفعل على متن طائرة متجهة إلى بكين”.
لكن تشان حذر في الوقت نفسه من أن أي خطأ دبلوماسي – حتى وإن بدا بسيطًا – قد يُفشل الترتيبات الجارية، مضيفًا أن “قمة من هذا النوع تُبنى بدقة وبروتوكولات عالية الحساسية، وزلة واحدة كفيلة بإسقاطها بالكامل”.